منوعات تاريخية

مَبْدَأُ الثوابِ وَالعِقَاب

أَسْرَارُ الخُطْبَة الفَدَكيَة

 

مَبْدَأُ الثوابِ وَالعِقَاب

 

قالت(ع): (ثُمَّ جَعَلَ الْثَّوَابَ عَلَى طَاعَتِهِ، وَوَضَعَ الْعِقَابَ عَلَى مَعْصِيَتِهِ، ذِيَادَةً لِعِبَاْدِهِ عَنْ نَقْمَتِهِ، وَحِيَاْشَةً لَهُمْ إِلَى جَنَّتِهِ)

فبعد أن أشارت الزهراء(ع) في مقدمة كلامها إلى مسائل عقائدية عديدة تابعت الحديث حول بيان حقائق لا بد من العروج عليها زيادة في المعرفة كما هو زيادة في الأجر والثواب.

ففي العبارات السابقة أشير إلى مبدأ الإيجاد وكون الموجد سبحانه غنياً عن طاعة العباد، وفي هذه الفقرات عرّجت(ع) على مبدأ الثواب والعقاب من باب بيان العدالة الإلهية ومن باب الترهيب والترغيب على اعتبار أن من الناس من تؤثر فيه أساليب الترغيب فيعبد ربه طمعاً بالثواب، ومنهم من يتأثر بالترهيب فيعبده خوفاً من العذاب، وكلاهما حسن عند الله تعالى، أي سواء كان منشأ العبادة الطمع بالثواب أو الخوف من العقاب أو لأنه تعالى أهلٌ لأن يُعبَد كما كان يعبده المعصومون(ع).

ومن ألطاف الله بنا أنه جعل الثواب على الطاعة رغم كونه لا يستفيد منها، ووضع العقاب على السيئة حتى نستفيد نحن من هذا الوعيد فنتجنب الحرام.

وأما مسألة وضع العقاب على المعصية، فليس فيه شيء من الظلم لأنه سبحانه لا يظلم الناس مثقال ذرة، ولكن الناس هم الذين يظلمون أنفسهم بإهمالهم أوامر الله ونواهيه حيث اشترط علينا الطاعة من الأساس وكلّفنا بأحكامه التي جعل الإلتزام بها وتطبيقها طريقاً إلى السعادة، فكان الناس مخيرين بين هذه الطريق والطريق المضادة لها، وقد بيّن لنا عاقبة كل واحدة منهما، فلم يجبر أحداً على الطاعة، ولم يكرّه مخلوقاً على المعصية، وإنما قال (فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ) وجعل الثواب على الإيمان والعمل، ووضع العقاب على ترك العمل، وقد ذكر لنا هذا الأمر في كتابه العزيز مراراً حينما بيّن ثواب الطاعة والتقوى وعقاب المعصية، وذلك من باب وعظنا وإرشادنا كي نعمل صالحاً، ففي بيان ثواب الطاعة قال سبحانه في سورة الحجر(إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ادْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ آمِنِينَ  وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ  لاَ يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُم مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ)

وفي سورة الدخان(إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ  يَلْبَسُونَ مِن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَقَابِلِينَ  كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ  يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ  لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ  فَضْلًا مِّن رَّبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)

وفي بيان عاقبة الكفر والعصيان وعظنا القرآن الكريم بقوله تعالى(أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ  إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ  إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ  طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ  فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِؤُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ  ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِّنْ حَمِيمٍ  ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ)

ثم إنه تعالى ضاعف الحسنات ولم يضاعف السيئات فجعل ثواب الحسنة بعشر أمثالها من باب ترغيب العباد بالطاعة وبيان لطفه وكرمه بهم، قال تعالى(مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ) وبهذا الدليل وغيره ينفي الله عن نفسه الظلم مبيناً لنا بأن مصدر الظلم هم الناس أنفسهم وليس الخالق القدير عز وجل.

وقد أشارت الزهراء(ع) بكلامها إلى سبب الثواب والعقاب أو إلى الهدف الأسمى منهما حيث قالت(ذِيَادَةً لِعِبَاْدِهِ عَنْ نَقْمَتِهِ، وَحِيَاْشَةً لَهُمْ إِلَى جَنَّتِهِ) فالذود هو الردع والدفع، وقد أراد سبحانه من خلال جعل الثواب ووضع العقاب أن يبعد عباده عن نقمته وغضبه وأن يحوشهم، أي يقربهم إلى جنته، معنى ذلك أنه تعالى يريد أن يرحمنا بشرط أن نكون من أهل الطاعة.

ثم بدأت(ع) تذكّر المسلمين برسولهم الذي بعثه الله رحمة لهم حيث هداهم به إلى الصراط المستقيم وأنقذهم به من الجهل والضلال والإنحراف، وكأنها تقول لهم ما أسرع نسيانكم لهذا العظيم الذي بذل الغالي والنفيس من أجلكم وضحى بحياته كلها في سبيل جعلكم بشراً ذوي شأن ومقام بين الآخرين، فدلكم على الله ودعاكم إلى عبادته ونبذ الأوثان والتخلي عن العادات السيئة والتقاليد الفاسدة التي كانت تحكمهم وتسيطر عليهم من الجاهلية، وإليه يشير القرآن الكريم بقوله(الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) هذا ما وصف به القرآن فعل محمد(ص) وجهوده، وأما ما وصفت به الزهراء أباها فهو قولها:(وَأَشْهَدُ أَنَّ أَبِيْ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ، إِخْتَاْرَهُ قَبْلَ أَنْ أَرْسَلَهُ، وَسَمَّاْهُ قَبْلَ أَنْ اجْتَبَاْهُ، وَاصْطَفَاهُ قَبْلَ أَنْ ابْتَعَثَهُ، إِذْ الْخَلائِقُ بِالْغَيْبِ مَكْنُوْنَةٌ، وَبِسَتْرِ الأَهَاْوِيْلِ مَصُوْنَةٌ، وَبِنِهَايَةِ الْعَدَمِ مَقْرُوْنَةٌ، عِلْماً مِنَ اللهِ تَعَاْلَى بِمَآيِلِ الأُمُوْر، وَإِحَاطَةً بِحَوَادِثِ الْدُّهُوْرِ، وَمَعْرِفَةً بِمَوَاقِعِ الأُمُوْر)

الشيخ علي فقيه

الشيخ علي الفقيه

قال سبحانه( واذكر ربك حتى يأتيك اليقين) إن ذكر الله عز وجل لا ينحصر بجارحة اللسان بل يجب أن ينبع من صميم القلب وتترجمه الطاعة الصادقة التي تتحقق بفعل الواجب والمستحب وبترك كافة المحرمات جعلنا الله واياكم من الذاكرين العابدين الصادقين الشيخ علي فقيه

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى